Friday, June 8, 2012


شهادات جامعية تعلق على الحائط ووزارة العمل بدون إحصاءات رسمية

البطالة في لبنان تخطت الخطوط الحمر واللبناني المثقف يهاجر

سيمون بو عون



جريدة النهار /البطالة في لبنان تخطت الخطوط الحمر كلها، والمؤسف أن الحكومة لا تتحرك والوضع السياسي هو الهم الأول والأخير،
مع ان الأمور وصلت الى حائط مسدود، والوضع المعيشي القائم بات يهدد شريحة كبيرة من الناس وينذربأزمة خانقة… واللافت أن التكلم على موضوع البطالة بات من المحرمات على ما يبدو رغم تحذيرات الإقتصاديين من إستفحال هذه الأزمة المؤثرة بشكل دراماتيكي على الوضع المعيشي للمواطن اللبناني. الإعلامي في كل هذا نال نصيبه من البطالة، رغم وجود مؤسسات صحافية منوعة، إذ أن فرص العمل باتت محدودة ويتمنى بعضهم
لو لم يحصلوا على شهاداتهم لأنهم في النهاية سيمكثون في البيت. نسبة البطالة في لبنان غير معروفة في ظل غياب أي إحصاءات من وزارة العمل، ولا نغالي إذا قلنا أنها تتعدى 20%، وهو وضع في حال وجوده في
 دولة أخرى يطيح بالحكومة، لأنه لا يمكن التلاعب بلقمة عيش المواطن! في لبنان حدث ولا حرج! وهجرة
 الشباب المثقف تدق ناقوس الخطر، وهي خير دليل على إرتفاع معدل البطالة، ورغم إعطاء التعليمات للسفارات بالتشدد من ناحية إعطاء التأشيرات لا تزال الأرقام مخيفة.
في الفترة الأخيرة ظهرت مجموعة من المقالات التي تتحدث عن يوميات مثقف تارة عربي وطورا فرنسي والى ما هناك من جنسيات، وتتضمن معلومات قيمة سياسية كانت أم إجتماعية وهي تضيف غنىً الى المخزون الفكري لكل قارئ، لكننا سنتحدث اليوم عن يوميات( مثقف )عاطل عن العمل.
رانيا إعلامية تخرجت من كلية الإعلام والتوثيق واستطاعت الحصول على وظيفة كمتدرجة في إحدى المجلات المحلية، وما لبثت أن برزت كفاءتها وأصبحت موظفة بدوام كامل بصفة محررة. وإندفاعها جعلها تقوم بمهمات غير منوطة بالصحافي، مثل رسم الصفحات وتصميم الغلاف والتصحيح، وهي كلها تتخطى العمل التحريري، إلا أن صاحب العمل كان سعيداً لأنها “توفّر” عليه توظيف اشخاص جدد لهذه المهمات، أما راتبها فكان 450 ألف ليرة لبنانية عداً ونقداً، وهي قبلت بهذا الراتب عله بعد عدة أشهر يرتفع قليلاً. في أحد الأيام طاب لصاحب المؤسسة أن يعطي كل الصلاحيات التحريرية الى سكرتيرته ودعا الى إجتماع عام زف فيه الخبر لجميع العاملين في المجلة. لم يتجرأ أحد على الإعتراض مخافة خسارة وظيفته، أما رانيا فكان تعليقها كيف يمكن لسكرتيرة أن تهتم بالمقالات وهي غير خبيرة بهذا المضمار، كما أن الإعلامي يقدّم عمله لمدير التحرير فهو مسؤول وحده عن الصحافي في المؤسسة وذلك حسب التراتبية، فأجابتها السكرتيرة كالآتي: “يمكنك تدريبي لكي أستطيع فهم طريقة العمل”. أما رانيا فلم تعد تستطيع ضبط نفسها وأجابتها بأنه ليس لديها وقت لتدريبها لكي تصبح هي مديرتها” ومنذ ذاك الحين بدأت الحرب الضروس، وخُططت المؤامرات بين السكرتيرة ورب العمل الى أن تم الإستغناء عنها من دون أي تعويضات، وعندما قالت له بوجوب دفع المستحقات اللازمة لنهاية الخدمة أجابها ببرودة:
"إذهبي وبلطي البحر" وهكذا فعلت خرجت من العمل وأصبحت في مهب الريح لعدم وجود أي مؤسسة
.  أو نقابة يمكن اللجوء اليها لرفع شكواها فهي غير منتسبة الى نقابة المحررين والتي تفرض شروطاً خاصة وقسم لا بأس به من الإعلاميين غير منتم اليها. خرجت رانيا من العمل مع راتبها الصغير، وكانت شبه متأكدة من الحصول على عمل آخر، فالمؤسسات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية منتشرة بكثرة في لبنان إلا أن الواقع كان معاكساَ ..
 إنكبت على شراء الجريدة يومياً وصفحة الإعلانات المبوبة كانت المفضلة لديها لكن كلها كانت تطلب سكرتيرات ومهندسين، ومدرسين، ومبرمجي كومبيوتر… واستمرت على هذه الحالة الى أن بدأ اليأس يتسلل اليها وبقي في جيبها بضعة آلاف فقط من راتبها الذي كان تعويضها على “طول لسانها”؛ وفي أحد الأيام قرأت إعلاناً عن مؤسسة إعلامية ترغب في توظيف محررين لديها فقالت أن الفرج قد أتى وراحت تحلم ببناء مستقبلها المهني و… فاتصلت ونالت موعداً للمقابلة، لكنها فوجئت بأن صاحب المؤسسة أصر على إجراء إختبار للمتقدمين الى وظيفة محرر وكان خارجاً عن المألوف، لأنه لم يرتكز على فن كتابة الخبر كما درجت العادة بل كان يضاهي إمتحان البكالوريا اللبنانية، وتركزت الأسئلة على المعاهدات والمؤتمرات التي حصلت ابان الحرب العالمية الأولى والثانية إضافة الى ضرورة معرفة إسم وزراء الخارجية والداخلية وغيرهم من المسؤولين
في الحكومات العربية والأجنبية وصولاً الى اليابان والصين والزيمبابوي إذا جاز التعبير.
لم تجب رانيا عن أي سؤال لأن هذه المعلومات يمكن الإعلامي الحصول عليها في اي لحظة في حال كان محرراً في الصفحة المحلية أو الدولية وخصوصاً مع وجود الإنترنت. وما أن وصلت الى البيت حتى فتشت عن كتاب التاريخ وانكبت على قراءته،
،والمضحك المبكي أن اللواتي فزن بالوظيفة هن مذيعات ربط برامج
حيث يكون التركيز على الشكل لا على المضمون ،وإذا كانت الحالة كذلك فلم تعذيب الإعلاميين وإجراء الإختبارات لهم وكأنهم يتقدمون من شهادة البكالوريا! ,وطبعا طارت الوظيفة!
 ! الثقافة في مهب الريح
 الثقافة لا يمكن الحصول عليها بين ليلة وضحاها بل هي نتاج ساعات من المطالعة ومشاهدة البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية، أما في لبنان، ورغم أن المقولة السائدة تؤكد أن اللبناني يطبع والمصري يكتب والعراقي يقرأ، فإن غلاء المعيشة يمنع الجميع من شراء الكتب والمجلات، وخصوصاً مع وجود أزمة البطالة. ويفضل كثيرون من العاطلين عن العمل الإحتفاظ بنقودهم علها تؤخر الإفلاس يوماً إضافياً. أما كل الشهادات التي يملكونها فلم تؤمن لهم كرامة العيش بل وصل بهم البعض الى القبول بوظائف وضيعة، وعندما يسألهم أحدهم عن إختصاصهم يلفقون كذبة ما لكي لا يشعروا بالإحراج .
إن وزارة العمل في الدول كلها هي المرجع الوحيد للحصول على نسبة البطالة، أما في لبنان فلم نعد ندري ما هو دورها، والذي يدفع الثمن هو نفسه، وكما تقول اغنية السيدة فيروز ان “المعتر بكل الأرض دايماً هو ذاتو”.
هكذا هو اللبناني الذي
 يختصر “تعتير” كل العالم لأن ما من إدارة أو نقابة ترعى مصالحه، فكيف بالأحرى الإعلامي! وفي انتظار الوصول الى هذه اللحظة لا يمكن للعاطل عن العمل إلا مشاهدة التلفزيون لأنه أقل تكلفة من شراء المجلات والكتب..

No comments:

Post a Comment