Thursday, October 11, 2012

الأمية في عكارتطال النساء فوق سن الأربعين


حقوق أبنائها ضاعت بين حماوة نهر البارد وبرودة الطقس

 

حرار :الأمية تنتشر بين النساء وقطاع الإستشفاء ينازع

التنمية المحلية غائبة والدراسات تنتظر الممولين من القطاعين العام والخاص

                                                سيمون بو عون

 

تعاني جرود لبنان الحرمان والفقر ،ومهما قيل تظل المشاهدة مفجعة أمام المآسي التي يتخبط بها سكان هذه المناطق والتي نالت من البشر والحجر على حد سواء.منطقة حرار الشمالية تقع ضمن هذه الخانة من المناطق المهمشة،وصبر السكان وطيبتهم ووداعتهم تجعلهم يتحملون واقعهم الأليم الذي يأبون بكل كبر التحدث عنه،فالسكان لم يتبق لديهم سوى كرامتهم يتغنون بها،ويحاولون عبرها إخفاء معاناتهم الإجتماعية والإقتصادية بكل ما أوتوا من قوة في محاولة منهم لرفض الواقع المرير.

                             

تصل الى جرود حرار عبر طريق طرابلس والعبدة وببنين وبرقايل صعودا ،وهي تبعد عن بيروت 123كلم يراوح إرتفاعها عن سطح البحر من 700 متر الى 1150مترا بسبب وقوعها على منحدر طبيعي.يتوسط البلدة جبل الضهر المطل على معظم أراضيها وسهل عكار وصولا الى طرابلس والمنطقة السهلية والساحل السوري. يحدها من الجنوب وادي جهنم السحيق الذي حفرته مياه نهر مربين ونهر مشمش،والنهران يلتقيان في حرار ويكونان نهر البارد.الطبيعة منوعة ،وأينما توجهت ترى أشجار السنديان المعمرة والموجودة في أماكن محددة هي مقامات أولياء وأبرزها: مقام الشيخ محمد، الشيخ عثمان،الكحلة، الشيخ علوان أو مقبرة الضيعة. وتعود تسمية حرار الى السريانية وتعني الأرض المحروقة نسبة الى وجود التربة البركانية السوداء ، لكن بعض معمري البلدة يقولون أن التسمية لها صلة بتحرر البلدة من الغزاة.

العائلة أساس المجتمع

تشكل العائلة نواة أساسية لسكان حرار،ويتراوح عدد أفراد الأسرة بين 5 الى 11 شخصا في المنزل الواحد، والإزدحام يشكل مشكلة حقيقية في توزيع الأطفال على الغرف،حيث يتقاسم كل غرفة أكثر من أربعة أطفال. وأمام الصعوبات الإقتصادية والتي ترتد سلبا على أوضاع الأهالي المادية فإنهم لا يجدون الحلول لها إلا بزيادة عدد الأطفال، ولا ندري إذا كانت بهدف تحفيز المردود المالي للعائلة أولأسباب أخرى.وتبتسم بعض النساء خفرا لدى التحدث عن ضرورة تنظيم الإنجاب لتفادي تفاقم الأزمة الإقتصادية،بحيث يتوزع المردود المادي على عدد أقل من الأولاد وبالتالي ينالون إهتماما أفضل من ناحية التعليم والطبابة والترفيه.

نهر البارد والبطالة

يشكو سكان جرود حرار من فقدان فرص العمل ، وينزح عدد لا بأس به من الأهالي الى طرابلس بهدف التعلم أو العمل المتخصص، ويهاجر عدد منهم الى الخارج مثل أستراليا وألمانيا وفرنسا ودول الخليج. وأشارت السيدة هناء الى أن زوجها فقد عمله بسبب قرب مكان عمله من نهر البارد والوضع الإقتصادي يتردى يوما بعد يوم ، وهي تحاول قدر المستطاع مساعدة زوجها في زيادة مدخوله عبر المشاركة في المشاريع الإنمائية التي تنفذها بعض الجمعيات والمؤسسات.وتعتبر هناء أن الموظف يملك فرصا أفضل في إيجاد عمل بالمقارنة مع العمال المياومين الذين يتأثر دخلهم بالحالة الأمنية ،فاليد العاملة شبه مشلولة بسبب الإشتباكات في نهر البارد ،وتأثرت من جرائها حركة البناء والمهن الحرة.

السيدة هزيم علقت أن الموظفين المنخرطين في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وأساتذ المدارس هم أصحاب مدخول ثابت أما الآخرون فيعانون الأمرين، وأشارت الى أن زوجها يعمل في قطاع الألمنيوم ، الا أن معظم الناس أوقفوا أعمالهم في إنتظار هدوء المعارك في نهر البارد، أضف الى أن زوجها يعاني مرضا مزمنا ولديهم ستة أطفال والدخل قليل لإعالتهم.وطالبت السيدة هزيم الدولة والجمعيات الوطنية والعالمية ،وخصوصا تلك التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ،بإنشاء مشاغل تطريز وخياطة ورسم لإيجاد فرص عمل للمرأة لمساعدة الرجال في زيادة المدخول المادي للعائلة.

أم علي أصرت على تقديم حليب بقر طازج لنا ،وأشارت الى أنها تساعد زوجها في زيادة المردود المادي عبر بيع منتجات الحليب من لبن وقريشة وشنكليش والذي تشتهر جرود حرار بتصنيعه.

البيئة والزراعات البديلة

رغم وجود الأنهر في البلدة تعاني حرار أزمة مياه خانقة. وفي ظل غياب التحرك الرسمي قامت مؤسسة "اليونيسف"بتقديم الدعم المادي لمشروع جر قسطل مياه من مياه"البرغش"عبر وادي جهنم ، لكن المشكلة لم تحل بشكل جذري ولا يزال الأهالي يعانون شحا في المياه.والبيئة غير محصنة في حرار حيث يقوم الأهالي بقطع الأشجار لأغراض التدفئة أوالتصنيع.تجدر الإشارة الى وجود أشجار نادرة في حرار مثل الأرز والشوح واللزاب النادر. أما المياه المبتذلة فهي تصب مكشوفة في الأرض،في ظل غياب لشبكة المجارير والتي تبقى معطلة طيلة السنة.كما يتم حرق النفايات فتلوث الجو والأرض معا.أضف الى أصابة أشجار الصنوبر ببعض الأمراض التي تؤثر على نموها.ويشير السيد هزيم، وهو عضو في لجنة متدربي حرار في برنامج اللجان المحلية في عكار ،الى وجود دراسات تتعلق بإيجاد مركز لفرز النفايات والصرف الصحي والزراعات البديلة ، وهي تنتظر الممولين للبدء بتنفيذها. وأوضح السيد هزيم أنه تم زراعة أكثر ممن عشرة آلاف غرسة تفاح إلا أنها لم تنجح بسبب شح المياه التي تتدفق من منطقة فنيدق والتي لا تكفي لري الأشجارلذلك يتم الإتجاه نحو الزراعات البعلية مثل الزيتون واللوزيات والكيوي وطالب الجمعيات بإستحداث حقول للتجارب لكي ترشد سكان القرية الى الزراعات البديلة المربحة مثل زراعة الفستق الحلبي والجوز... .

قطاع الإستشفاء

المرض ممنوع في حرار بسبب غياب المؤسسات الإستشفائية وكذلك الأطباء ،حيث يوجد طبيب وحيد في المنطقة.وأقرب مركز طبي يتطلب العناية الإلهية لوصول المريض سالما إليه!ويبدو أن الأطفال لا يتم تلقيحهم بشكل منتظم مما سبب وجود إعاقات جسدية لديهم مثل شلل الأطفال والتخلف العقلي والصمم والبكم(87 حالة)،أما المركز الطبي الوحيد فينحصر في مستوصف خاص صغيرلا يفي بإحتياجات سكان المنطقة، والمطلوب إلقاء الضوء على المشاكل الصحية التي يعاني منها الأهالي ومعالجتها بالأساليب الحديثة.

المرأة والأمية

المرأة في حرار لم تأخذ حصتها من التعليم،خصوصا في الفئة العمرية التي ترتفع عن 45عاما حيث تصل نسبة الأمية الى 60% علما أن هذه النسبة هي 7% لدى النساء دون ال 45سنةو2% لدى اللواتي هن دون 21 عاما.وترد النساء هذه المشكلة الى أن الأهل يفضلون تعليم الشباب على أن تنصرف الفتيات الى الأعمال المنزليةولاحقا الزواج والإنجاب.لكن اللواتي التقينا بهن لسن راضيات عن وضعهن وحاولن تغيير هذا الواقع عبر الألتحاق بدورات لمحو الأمية التي تنظمها بعض المؤسسات الخاصة.لكن الفترة لم تكن كافية لمساعدتهن على الكتابة والقراءة وتتطلب مجهودا جبارا منهن ،وخصوصا في ظل الهم المعيشي الذي يقلق العائلات.وتقدر نسبة الأمية ب 10%من إجمالي السكان تتركز معظمها بين النساء،علما أن الأمهات يحاولن جاهدا تعليم بناتهن،وبالتالي أصبحت المرأة مدركة لضرورة تعليم تعليم أطفالها الذكور والإناث معا لحمايتهم من غدر الزمن.

 (تحقيق نشر في جريدة النهار في 15آب 2007)