المصرف المركزي اللبناني فرض تدابير إحترازية جنبت التأثر بالأزمة العالمية
27 مليار دولار موجودات مصرف لبنان منعت الإنهيار المالي والإقتصادي
إعداد سيمون بو عون
أزمة إقتصادية و مالية وإئتمانية عالمية ضخمة أعادت الى الأذهان أحداث الكساد الكبير الذي حصل في العام 1929، واستمرت مفاعيله السلبية حتى العام 1933 جرى خلالها تغيير عدة أنظم سياسية وإقتصادية لدرء خطر الوقوع مرة ثانية في أزمات مشابهة . الأزمة المالية ضربت الأسواق العالمية والعربية بنسب متفاوتة ، والملفت أن لبنان لم يتأثر كثيرا بسبب التدابير الإحترازية التي إعتمدها مصرف لبنان منذ أكثر من عشر سنوات وهدفها لا بل هاجسها الأوحد تأمين الإستقرار النقدي ومصداقية لبنان الإئتمانية الأمر الذي حال دون تأثر لبنان بالإنهيار المالي والإقتصادي الذي ضرب العالم أجمع .
تدل كافة المؤشرات الإقتصادية العالمية على الركود الأمر الذي إرتد سلبا على الأسهم والبورصات والتي تتدهور يوما بعد يوم ، وإرتفعت بعض الأصوات الداعية الى إعتماد نظام مصرفي جديد للقرن الواحد والعشرين . لبنان في خضم هذه العاصفة الهوجاء يكاد يكون من الدول القلائل التي لم تتأثر بالأزمة المالية وذلك حسب تأكيدات الخبراء الماليين وتصريحات حاكم مصرف لبنان د. رياض سلامة المشجعة للإستثمار وإقامة المشاريع الإنمائية . ما هي الأسباب التي أدت الى إكتساب هذه المناعة ؟ وهل يمكن إستمرارها الى أمد بعيد ؟
مناعة لبنان
يشدد حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامةخلال أحاديثه على مناعة لبنان وقطاعه المصرفي حيال الأزمة المالية العالمية ، ويطمئن المودعين والمستثمرين بعدم وجود أية نتائج سلبية على الإستقرار التسليفي نتيجة سلسلة من التدابير التي إتخذها مصرف لبنان خلال السنوات الماضية وكان هدفها تحسين رسملة المصارف وترشيد عملها وإبعاد القطاع عن الممارسات التي كادت تطيح بالنظام المصرفي العالمي ، حيث أرغمت الحكومات والمصارف المركزية على ضخَ أكثر من 3 تريليونات دولار لتعويم القطاع المصرفي.
أما لبنان فاستطاع تجنب الوقوع في الأزمة العالمية نتيجة التدابير الإحترازية التي فرضها مصرف لبنان لتعزيز القطاع المصرفي . كما أن حرية السوق وإحترام قواعده لا يتناقضان مع وضع أسس تنظيمية وقائية، لذلك أصدر مصرف لبنان خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة مئات التعاميم التي حافظت على القطاع ماليا وخاضت المخاطر لديه . هذا الأمر لم نشهده لدى الدول المتطورة التي تركز همها الوحيد على تطبيق مبادىء بازل 1 و2 وعلى حماية مصارفها من الأزمات المتوقعة في الدول النامية ، إنما النكبة أتت من الداخل .
إن شبه إنهيار النظام المالي العالمي كان أحد أسبابه المستوى المحدد الذي ترجم في الإسترسال في التسليف لشراء أصول مالية وعقارية ، ثم تسنيد هذه التسليفات وربطها بمشتقات مالية وإعادة التسليف عليها وبيعها في الأسواق. وتشمل أبرز هذه المشتقات الرهن العقاري وإن ما شجع في نجاح هذه المشتقات هو نسب الفائدة المرتفعة عليها مقارنة بفوائد منخفضة في العمل المصرفي التقليدي إن هذا الأمر تم تجنبه في لبنان منذ سنوات من خلال تنظيم التعامل مع المشتقات المالية وإخضاعها لترخيص من المجلس المركزي لمصرف لبنان وعدم السماح بدخول الرهن العقاري القطاع المصرفي في لبنان .وتم حظر المصارف من إصدار ضمانات على هذه المشتقات في مقابل أموالها الخاصة ، وتم تطبيق سياسة فوائد واقعية تمنع البحث عن مردود مرتفع يحمل المزيد من المخاطر ، بالإضافة الى ضبط السيولة من خلال أدوات أصدرها البنك المركزي كشهادات الإيداع عبر فرض الإحتياطي الإلزامي على كل الودائع وبكل العملات . ومن أسباب الأزمة إفلاس المصارف ومنها الكبيرة وهذا ما يرفضه دائما لبنان وسارع الى تطبيق إصلاحات مصرفية بين العام 1997 و2004 كان من نتائجه خروج أكثر من 30 مصرفا من السوق من دون أية خسارة للمودعين أو المصارف المراسلة . وتم إستعمال الصلاحيات الممنوحة لمصرف لبنان في قانون إندماج المصارف وإرساء هندسة مالية مولت كلفة هذا الإصلاح من دون أن تتحمل الدولة اللبنانية أو المصرف المركزي أو مؤسسة ضمان الودائع أي خسائر ومن دون أن يتأتى عن هذه الهندسة أي تضخم . كما أن الإستقرار والصمود اللذان يشهدهما القطاع المصرفي يرتد على النمو في قاعدة الودائع والذي يتوقع وصولها الى حدود 12 % في الودائع و10 % في الأرباح .كما هناك إستقرار في الفوائد اليومية بين المصارف والتي هي بحدود 3 في المئة ، والى الطلب المرتفع على شراء سندات الخزينة بالليرة اللبنانية مع الإشارة الى أن الفوائد على هذه السندات بقيت مستقرة وهي تتراوح بين 6 و 9.5 في المئة تبعا للآجال من 3 أشهر الى 3سنوات. إ ن هذا الإستقرار إنسحب بالفوائد على سندات الدولة بالعملة الأجنبية ، واستقر التأمين على مخاطر التسليف الإئتماني اللبناني على نسبة تتراوح بين 4.5 في المئة و6 في المئة من بداية السنة الجارية حتى اليوم . كما أن الموجودات بالعملات الأجنبية وصلت الى رقم قياسي شارف 18 مليار دولار نتيجة تراجع الدولرة وتسجيل ميزان مدفوعات إيجابي يقارب الملياري دولار وهذا حسب تطمينات حاكم مصرف لبنان .
السرية المصرفية
لقد وضعت الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي مجموعة من الإستراتيجيات ساهمت في تسهيل القروض غير المكلفة وفي تعزيز الإستثمارات في القطاعات الإنتاجية والتكنولوجية ، وتم إطلاق مبادرات أخرى ساعدت في تحسين عدة قطاعات في لبنان ومن ضمنها القطاع المصرفي . ولبنان ملزم بمكافحة تبييض الأموال ويحافظ في الوقت عينه على السرية المصرفية ، ووفق هذه المبادىء أيدت الوكالات الدولية ومجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال قانون مكافحة تبييض الأموال النافذ في لبنان . وتستمر الجهود للتقيد بالمعايير المطلوبة لتحسين إندماج لبنان في الإقتصاد العالمي .و لبنان عضو في مسار كمبرلي
إعتمد لبنان ومنذ إنشائه إقتصاد السوق وروح المبادرة الحرة وحرية التعامل بأية عملة كانت ، كما أنه إحترم على الدوام حرية التحويل وإنتقال الرساميل والملكية الخاصة ، وتلك المبادىء تحظى بتأييد جميع الفرقاء . ويعتمد مصرف لبنان حاليا ومستقبلا سياسات مؤاتية للسوق تضم إستقرار الأسعار دون اللجوء الى تدابير إدارية .من جهة اخرى يُعتبر لبنان من أكثر البلدان التي تملك سيولة مرتفعة كما يتم تطبيق سياسة تسليفية محددة بحيث لا يجب الوصول الى كامل الميزانية ، لذا تمت مراقبة عمليات الإستدانة ، أضف الى أن القانون اللبناني منح المصرف المركزي إستقلالية خاصة لضبط الإستدانة ، من هنا فإن الثقة تزداد بالنظام المصرفي اللبناني وتتظهر من خلال إرتفاع ميزانية المصرف المركزي التي تناهز 18 مليار دولار . وتؤكد المعطيات الى أن هذه التطمينات ليست من باب التبجيل إنما تستند الى الحقائق، وتدل كافة المعطيات الى أن السياسة التي إتبعها مصرف لبنان بالإضافة الى الرقابة الموجودة نجحت في تحييد لبنان عن الأزمة العالمية ولم يتم تفليس أي مصرف بفضل التشدد على مبادىء الإستدانة ومنع شراء الرهانات العقارية والطلب من المصارف ضرورة تأمين الإحتياطي من السيولة بشكل كاف .
إن تحفيز القطاعات الإنتاجية هو جزء من مكافحة تراجع النشاط الإقتصادي في لبنان .ويعتمد مصرف لبنان سياسة تحفيز تنمية القطاعات الإنتاجية حفاظا على نسب نمو مرتفعة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف همدت الضجة بعد إنهيار المصارف التي تعاطت الرهون العقارية العالمية وفجأة أخذت المصارف بالتساقط تباعا متكبدة خسائر ضخمة!
إن الأزمة المالية الراهنة التي أصابت العالم بالغة الخطورة وأثرت بشكل أو بآخر على حياة الناس وأعمالهم وأحلامهم. إزاء هذه المعطيات من الضروري خلق قواعد إقتصادية إنمائية تؤمن العمل والإنتاجية والنمو.
إن الأزمات المالية السابقة أدت الى تأسيس صندوق النقد الدولي بناء على إتفاق بريتون وودز الذي حدد أسس التعاون الإقتصادي الدولي من أجل تجنب تكرار الركود الكبير الذي بدأ عام 1929 وهدفه ضمان إستقرار النظام المالي العالمي وتقديم النصح لأعضائه البالغ عددهم 184 دولة وتقديم المساعدات المالية عندما تدعو الحاجة . اليوم كيف يمكن لهذا الصندوق تأمين المساعدات حيث أنه وعلى الرغم من التدخلات بضخ السيولة الى الأسواق لإمتصاص الأزمة لا تزال المشكلة تراوح مكانها .
No comments:
Post a Comment