خطوط التوتر العالي في عين سعادة دراسات كثيرة والأجوبة غير واضحة
دراسات علميّة كثيرة والأجوبة غير واضحة والمطلوب التشدد قي تطبيق معايير السلامة العامة
إعداد: سيمون بو عون
أطلق أهالي منطقة عين نجم – عين سعادة – المنصوريّة إسم "مجلس الشعب" على أنفسهم ورفضوا إمداد خطوط التوتّر العالي الهوائيّة وخاصة وأنّ مجلس الوزراء أقرّ إستكمال تمديد الكابلات بمواكبة أمنيّة، فثارت حفيظة الأهالي وقاموا بإعتصامٍات متعددة طالبوا فيها "إسقاط الأعمدة على كامل الخط الممتد من بصاليم حتّى عرمون" ورفض خطوط التوتر العالي الهوائيّة والتي ستصل قوّتها إلى 220 كيلوفولت.
تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس الإنماء والإعمار هو المشرف على تمويل وتنفيذ المشروع بناءً لمرسوم جمهوري صادر عام 1996.
منذ العام 2008 والأهالي والهيئات التربوية يعترضون على تنفيذ هذا المشروع خاصة وأنّ محيط الأعمدة مكوّن من تجمّع مدارس تحوي آلاف الطلاّب والأطفال ولقد طالب الأهالي إستبدال الأعمدة رقم 9 و10 و11 بكابلات أو خطوط جوفية مباشرة من وإلى محطات التحويل أي بصاليم – المكلس – عرمون، في انتظار طمر جميع خطوط التوتر الأخرى الموجودة في هذه المناطق وذلك ضمن خطة عشرية تُعدّ بالتعاون مع الأهالي والمجتمع المدني وبعض الأخصائيّين اللبنانيّين المستقلّين وتنفّذ تدريجًا باحترام المعايير العالميّة الآمنة الحديثة.
أمّا في ما خصّ انتفاء الضرر على الصحة العامة، فتمّ التذكير بمضمون مجلس أوروبا رقم 1815 الذي صدر بعنوان "الأخطار المحتملة من الحقول الكهرومغناطيسيّة وآثارها على البيئة" وببيان تجمّع سيليتون العلمي الذي أوصى بخفض معايير الأمان بالنسبة إلى هذه الحقول إلى 0.1 ميكروتسلا".
تضارب الآراء
لا أحد ينكر التلوّث الذي يحدثه خطوط التوتر العالي ويسمّى "التلوّث الكهرومغنطيسي" لذلك يجب إنشاء هذه الخطوط في محيط خالٍ من الأبنية السكنيّة وهذه المقولة عالميّة وليس لها علاقة يزواريب السياسة الضيّقة في لبنان؛
ففي حين تؤكّد بعض الدراسات العالميّة تأثير خطوط التوتّر العالي على صحة الإنسان خاصة للأشخاص الذين يعيشون في محيط الخطوط (أقل من 50 مترًا)، وتبيّن أنّ هذه الفئة من السكّان ظهرت لديها عوارض مرضيّة أهمّها: سرطان الدم وأمراضه، أمراض قلبيّة، أمراض نفسيّة وعصبيّة، فقدان الذاكرة أو النسيان، تشوّهات خلقيّة؛ وتشير هذه الدراسات إلى تأثير التلوّث الكهرومغنطيسي على تغيّر شكل وحجم الخلايا ونقص هرمون المناعة.
غير أنّه برزت تقارير أخرى تشير إلى سوء إستخدام المعلومات العلمية الواردة في بعض الدراسات حول خطر التوتر العالي في بعض المقالات الصحفيّة والتي ساهمت أحيانًا في تشويه الحقيقة. ففي دراسة "درابر وزملاؤه" (Draper and all) ،التي نشرت في "المجلة البريطانيّة للطب" ،تم التركيز على تأثير خطوط التوتر العالي في إصابة الأطفال بمرض أورام الدم وتبيّن أنّ وسائل الإعلام نقلت المعلومات بشكل مبتور وغير دقيق وهذا لطالما حصل في تغطية هذه الأخبار حيث تضيع الحقيقة بين تسهيل الخبر العلمي للقرّاء وإفراغه من المعلومات الصحيحة! وأشارت الدراسات المضادة إلى عدم وجود الأدلّة الكافية الآيلة إلى الإصابة بالأمراض السرطانيّة. وفي دراسات أخرى أشارت إلى أنّ بعض العلماء قلّلوا من أهميّة خطر التوتر العالي وعلّقوا أكثر على التلوّثات الأخرى التي يتعرّض لها الإنسان في منزله يوميًّا مثل إستخدام الهاتف الخليوي حيث يؤثّر على صحة القلب والكليتين والرأس ... وتبيّن وجود ترابط بين الإستخدام المفرط للهاتف الخليوي والأعراض المرضيّة التي يسببها الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي يصدره، حتّى أنّ بعض الآراء العلميّة تطالب الأشخاص بعدم التعرّض للأدوات الكهربائيّة الموجودة في المنزل مثل فرن الميكروويف، والتلفزيون والكومبيوتر ...
خطر التوتر عالميا
صدرت مجموعة من الوثائق العالمية تتحدث عن التلوث الناجم عن الحقول الكهرومغناطيسية.
في أستراليا تطلب السلطات الرسمية من مستخدمي الهاتف الجوال إبعاده عن الرأس والجسد مسافة 25 ملم أثناء التخابر لأن من شأن هذه المسافة ،على تواضعها،التخفيف من نسبة الإشعاعات التي يمتصها الرأس او الجسد بنسبة625مرة.كما أنه وفي دليل بعض شركات الهواتف المحمولة مثل البلاك بري يتم نصح المستخدمين بإبعاده مسافة0،98إنشا"أي حوالى 25ملم عن الجسد.
في سنة 1992كلف مجلس ولاية فكتوريا في أستراليا لجنة علمية لكي تعد دراسة عن علاقة الحقول الكهرومغناطسية بصحة الإنسان ، ونصحت اللجنة بتخفيض تعرض السكان لهذه الحقول وبإيجاد طريقة جديدة لتوزيع الطاقة تخفف من تعرض السكان لحقول مغناطيسية عالية، كما نصحت بطمر الخطوط الناقلة للكهرباء تحت الأرض.
وفي أستراليا دائما ،وفي العام 1998وضع المجلس الأسترالي للإتحادات التجارية سياسة للعمال لكي لا يتعرضوا لحقل مغناطيسي يزيد متوسطه عن 2 ملليغوس 2 MG)) خلال ساعات العمل الثماني .وفي سنة 2002 اضطرت شركة الكهرباء في كوينزلاند ،وتحت ضغط المجلس البلدي،الى تخفيض الحقل المغناطيسي الناتج عن محطتها الى ما دون 4 ملليغوس .
في سنة 2006 قررت السلطات في ولاية أونتاريو الكندية التخلص من التلوث الناجم عن الخط الكهربائي المنفرد .كما أصدر مجلس مدينة تورونتو ،بعدها بسنتين ،تقريرا يطالب فيه بإختصار التعرض للحقول الكهرومغناطيسية الناتجة عن خطوط التوتر العالي ، وجاء في التقرير ما يلي :"مع الأخذ بعين الإعتبار العلاقة بين التعرض للحقول الكهرومغناطيسية ومرض اللوكيميا عند الأطفال ، فإن اتخاذ إجراءات وقائية على الأرض لتخفيف تعرض الأطفال هو إجراء متعقل ."
في دولة اللوكسمبورغ والدانمارك لا يتم السماح بتشييد أبنية جديدة قرب خطوط التوتر العالي .
ومع أن منظمة الصحة العالمية لا تشير الى مخاطر الحقول الكهرومغناطيسية وتأثيرها على صحة الإنسان فإنها تطالب بتوسيع الدراسات العلمية والحد من تعريض السكان لهذه الحقول .
أما في العام 2009 أصدر البرلمان الأوروبي ،والذي يضم ممثلي 27 دولة، تقريرا دعا فيه الى الحد من تعرض السكان الى خطر التلوث . ومن بين التوجيهات التي جاءت في التقرير : ترك مسافة مقبولة فاصلة بين خطوط التوتر وبين المنازل القريبة ، المدارس ومراكز العناية الطبية .كما طالب بتطوير الدراسات التي تحدد المعايير الآمنة بالنسبة لخطوط التوتر العالي، وحماية العمال من خطر الحقول الكهرومغناطيسية.
وأخيرًا نعود إلى بيت القصيد: خطوط التوتر العالي في عين سعادة هل تؤثّر على صحة الإنسان؟ وقد لا تكون خطوط التوتر العالي هي الأكثر تلويثا ألا أن الفوضى التي ترافق إمدادها حيث أحيانا تلامس أسطح البنايات والشرفات هي المشكلة ومن الضروري معالجتها بشكل علمي .
نحن بإنتظار الدراسات العلميّة المقنعة لأنّه لا يمكن التلاعب بصحة آلاف الطلاّب الذين ينتسبون إلى المدارس والجامعات المجاورة لمحيط الخطوط الكهربائيّة، فلا أحد يرضى أن يُصيب الأطفال أي مكروه فهُم أمانةً في عنق المسؤولين على كافة الأصعدة. حتّى أنّ المكتب الإعلامي لوزير البيئة في حينها محمد رحّال نفى أن تكون وزارة البيئة قد شاركت في أي دراسة تفيد بعدم وجود مخاطر على الصحة العامة. وعلق وزير البيئة محمد رحال عدم علمه بمشاركة أي ممثّل عن وزارة البيئة في أي لجنة حول مخاطر التوتر العالي في خلال فترة توليه مسؤوليّاته الوزاريّة، وأن لا وجود في الوزارة لأي تقرير نهائي أو خلاصة عن عدم خطورة خطوط التوتر العالي . ففي حال لم يتم الإفراج عن الدراسات العلميّة الواضحة حول أمان خطوط التوتر العالي فلن يرضى أحد عن إمدادها أكانت المؤسسات التربويّة المنتشرة بكثرة في محيط الخطوط المزمع إمدادها أو الأهالي الذين يرفضون ترك منازلهم.
شكرا
ReplyDelete